الأحد، 31 أغسطس 2014

لا تدركها الأبصار








لم تكن هاتان الغمازتان هما ما يسعدان يومه حين يراها قادمة من الأفق البعيد، ولا هو طابع الحسن على الخد الأيمن كان يفعل..ولا حتى ابتسامة عذبة، ما أحلاها. وإنما شيء لا تدركه الأبصار وهو يدركها

باكستان بعيون مصرية- عود على بدء

الجماعة الباكستانيين اللي معانا ملهمش سيرة غير عن عمران خان ونواز شريف, وخناقات طول الوقت بين أنصار ده وأنصار ده. 

باكستان وتجربتها مهمين بشكل مباشر لمصر, لأن تجارب تدخل الجيش في السياسة بشكل خشن زي ما حدث في مصر مؤخرا ليهم فيها باع وذراع من أيام أيوب خان وضياء الحق وحتى برويز مشرف.

 والفارق الجوهري اللي هما مدركينه كويس بينهم وبين جارتهم وعدوهم اللدود الهند -اللي انفصلوا عنها في نفس اللحظة اللي نالت فيها استقلالها عن التاج البريطاني عام 1947- هو في تدخلات الجيش المتكررة في الشأن السياسي.

باكستان بتعيش اليومين دول أزمة بين رئيس الوزراء نواز شريف وبين لاعب الكريكيت السابق والمعارض السياسي عمران خان اللي بيأيده ويسانده طاهر القادري الناشط في العمل الخيري ومالك عدد من المدارس الإسلامية في باكستان. 

عمران خان بيتهم نواز شريف بالفساد وبيطالبه بالتنحي وبيعتبر الانتخابات اللي كسب فيها نواز من سنتين مزورة, كمان طاهر القادري بيتهم نواز بالضلوع مع شقيقه شهباز شريف رئيس حكومة إقليم البنجاب في قتل 14 شخص تظاهروا الشهر الماضي في لاهور عاصمة الإقليم. 

الوضع تأزم بعد ما عمران خان وطاهر القادري دعو أنصارهم للنزول للشوارع للاحتجاج والمطالبة باستقالة نواز شريف,  المظاهرات انطلقت من لاهور عاصمة أقليم البنجاب وصولا للعاصمة الباكستانية إسلام آباد. 

أنصار نواز أو بالأحرى الباكستانيين اللي بيدعموا حكومته للاستمرار شايفين إنه لازم يكمل مدته عشان المحاسبة تبقى كاملة, وبيقولوا إن وجوده على رأس السلطة ضمانة لعدم الإفراج عن برويز مشرف الرئيس السابق المتهم في عدة قضايا منها الفساد ومنها الضلوع في قتل بي نظير بوتو. بينما المعارضين من أنصار عمران خان وطاهر القادري شايفينه لازم يمشي لأنه فاسد وقاتل مع أخوه.


نواز شريف دعا عمران خان وطاهر القادري للجلوس معاه للتفاوض فرفضوا, ولما الأزمة استحكمت تدخل قائد الجيش رحيل شريف ودعا الأطراف للتفاوض برعاية الجيش -واخدلي بالك إنت- فاستجابوا وجرت بينهم مفاوضات إلى الآن دائرة وموصلتش لنتايج محددة.

أحب أفكركم إننا بعد ثورة يناير كلنا توقعنا سيناريوهات لشكل ثورتنا على الطريقة الرومانية أو الجزائرية أو حتى البعض وصفها بالثورة الفرنسية..بينما تجربة باكستان في الحقيقة هي الأقرب لنا, يمكن بحكم ظروفها الاقتصادية وأهميتها الجيوستراتيجية (جوارها للهند وامتلاكها للقنبلة النووية) وكمان أوضاعها السكانية (180 مليون نسمة) ده إلى جانب إنها دولة أغلبيتها مسلمة.

الأربعاء، 16 أبريل 2014

عن الفقد




تجبره وحدته دائما على التفكير فيها. ليس ﻷنه يريد، بل ﻷنها دائما ما ملأت وحدته بطيفها في لياليه البعيدة، وقت أن كان الأمل وحده يحتل الجزء المنير في قلبه، بينما صدها يحتل ركنا منزويا معتما بنفس القلب. الآن وقد فعل الصد فعلته وانتصر على الأمل في معركتهما الأخيرة واحتل جل المواقع، وخلف موقعه هو لمرارة خلقها لقاؤهما الأخير، حين أعلنت له صراحة أنها تنوي الزواج بشخص آخر. 

ولأن الوحدة هي الأم الرءوم لشعور الفقد؛ فقد حاول جاهدا ألا يترك روحه نهبا لها، حتى لا يأتيه الفقد من بين يديه ومن خلفه سادا عليه طاقة النور التي يستحلبها استحلابا من صداقاته وقراءاته وأشعاره.

يمسك هاتفه للمرة اللا نهائية وتدور أصابعه فوق الشاشة التاتش طالبا رقمها الذي ما زال يحفظه عن ظهر قلب، رغم أن يده امتدت ومسحته أكثر من ألف مرة من ذاكرة الهاتف. لكن كيف له أن يمحيه من عقله؟!

يأتيه صوتها عبر الهاتف فيصمت. تعرف أنه هو من صوت أنفاسه المتلاحقة وضربات قلبه المسموعة بوضوح.

-كيف حالك يا أحمد؟ هل مازلت تعيش وحيدا؟
-أجمل شيء في الدنيا الوحدة..تعودت عليها.

يجيبها متصنعا الهدوء الذي لم ينجح في مداراة انفعاله الواضح وهراء ما يقول. 

تعرف أنه يكذب، وأنه مازال يحبها ويقضي شعث أيامه غارقا في كآبة وحدته، ويعرف هو أنها تعرف أنه يكذب، لكن ما له بد من الكذب، حيلة يحفظ بها صورته أمام نفسه وأمامها. 

تمر الثواني ثقيلة كقدم فيل دون أن ينطق، فلا يقطعها إلا صوت بكاء طفل صغير يأتيه عبر الهاتف. تستأذنه لتنصرف لشؤونها، فيأذن ولا يأذن.

 صوت إغلاق الهاتف يعيده إلى عالم الأحياء فيرسل تنهيدة حارة في فضاء الغرفة، ويشعل سيجارة وهو يعيد صنع فنجان القهوة التي تركها تبرد منذ ساعتين.

الاثنين، 7 أبريل 2014

تلك العتمة الباهرة




لم يكن معتقل تزمامارت المغربي مجرد معتقل للذين شاركوا في انقلاب قصر الصخيرات البيض في صيف 1971، بل كان مقبرة للأحياء الذين شاركوا في المحاولة الفاشلة، سواء بإرادتهم الحرة أو أولئك الضباط وضباط الصف الذين أوقعهم حظهم العاثر في طريق الانقلاب وهو يعتقدون أنهم يشاركون في مناورة عسكرية بالذخيرة الحية أو الذين اوهمتهم قيادتهم أنهم ما جاءوا إلا ليدافعوا عن الملك ضد مؤامرة اغتياله. 

تلك الحفرة المسماة غلطا بالمعتقل ليست مقبرة بالمعنى المجازي للكلمة وإنما بالمعنى الحرفي لها. حفرة في باطن الأرض لا يرتفع سقفها لأكثر من متر ونصف ولا تسمح لساكنها بالوقوف منتصبا، تم تجهيزها خصيصا لكي لا يدخلها الضوء في أي وقت من ليل أو نهار، عتمة حالكة السواد إذا أخرج ساكنها يده لم يكد يراها، مجموعة من القبور مغلقة بانعزال على كل ساكن وحيد في إحداها، قارصة البرودة إلى درجة تجعلك لا تفكر مجرد النوم في ليالي الشتاء شديدة البرودة وإلا تجمد الدم في عروقك وأوردتك فمت من فورك. ليس فيها إلا فتحة تهوية في السقف صنعت خصيصا ليدخلها الهواء الكافي لعدم الاختناق، ولا يدخل منها النور أبدا. 

 هي إذن مقبرة للموت البطيء صنعها الملك السفاح الحسن، ملك المغرب الذي حكمها بالحق الإلهي على عينه. ليس لك من الطعام ليلا أو نهارا إلا كتلة خبز متكلسة لو أحسنت تصويبها لقتلت شخصا بها من شدة صلابتها، وبعض النشويات المعجونة المقززة الرائحة. ليس لك رعاية صحية أو عقاقير تتناولها إن وهنت قواك ومرضت، فلتمرض إذن ولتموت فهو مصير أفضل من بقاءك حيا ميتا لمدة ثمانية عشر عاما قضاها بعض الناجين من المقبرة لحظهم التعس. ثماني عشرة سنة من الجحيم المتصل بلا انقطاع، لا ترى الضوء إلا عندما يموت أحد زملائك في المقبرة فتخرج للصلاة عليه ودفنه..غير أن هذا الأمر ما لبث ان توقف بعد تكرار حالات الموت، فاكتفى الحراس بأوامر فوقية بأخذ الجثث وألقائها مطمورة بالجير الأبيض دون غسل أو صلاة. البعض مات من الجنون، والبعض مات بالغرغرينة حتى أكلت الصراصير والعتة جسده، والبعض مات بلدغات العقارب التي وضعت للمتعقلين في مرة لأنهم تجرأوا وأضربوا عن الطعام. ومن نجى منهم بعد ثمانية عشر عاما -وهم أقل القليل- صارت حياته جحيما من الأمراض والعلل.

 إنها رواية مأخوذة من شهادة أحدهم، تحكي تفاصيل واقع أليم تحياه يوميا شعوب حكمها الطغاة باتصال لم ينقطع، فمارسوا ساديتهم وجنون عظمتهم، وأحكموا خناقهم على الشعوب فأنت وتوجعت، ثم عندما تجرأت ورفضت وعلا صوتها؛ اتهمها أتباع الطغاة السفاحين بأنها عميلة للغرب تنفذ أجندته وتسعى لهدم استقرار الأوطان. هذه دعوة لقراءة رواية الطاهر بن جلون والاستمتاع بتفاصيلها المؤلمة الموجعة حد القهر.