الأربعاء، 16 أبريل 2014

عن الفقد




تجبره وحدته دائما على التفكير فيها. ليس ﻷنه يريد، بل ﻷنها دائما ما ملأت وحدته بطيفها في لياليه البعيدة، وقت أن كان الأمل وحده يحتل الجزء المنير في قلبه، بينما صدها يحتل ركنا منزويا معتما بنفس القلب. الآن وقد فعل الصد فعلته وانتصر على الأمل في معركتهما الأخيرة واحتل جل المواقع، وخلف موقعه هو لمرارة خلقها لقاؤهما الأخير، حين أعلنت له صراحة أنها تنوي الزواج بشخص آخر. 

ولأن الوحدة هي الأم الرءوم لشعور الفقد؛ فقد حاول جاهدا ألا يترك روحه نهبا لها، حتى لا يأتيه الفقد من بين يديه ومن خلفه سادا عليه طاقة النور التي يستحلبها استحلابا من صداقاته وقراءاته وأشعاره.

يمسك هاتفه للمرة اللا نهائية وتدور أصابعه فوق الشاشة التاتش طالبا رقمها الذي ما زال يحفظه عن ظهر قلب، رغم أن يده امتدت ومسحته أكثر من ألف مرة من ذاكرة الهاتف. لكن كيف له أن يمحيه من عقله؟!

يأتيه صوتها عبر الهاتف فيصمت. تعرف أنه هو من صوت أنفاسه المتلاحقة وضربات قلبه المسموعة بوضوح.

-كيف حالك يا أحمد؟ هل مازلت تعيش وحيدا؟
-أجمل شيء في الدنيا الوحدة..تعودت عليها.

يجيبها متصنعا الهدوء الذي لم ينجح في مداراة انفعاله الواضح وهراء ما يقول. 

تعرف أنه يكذب، وأنه مازال يحبها ويقضي شعث أيامه غارقا في كآبة وحدته، ويعرف هو أنها تعرف أنه يكذب، لكن ما له بد من الكذب، حيلة يحفظ بها صورته أمام نفسه وأمامها. 

تمر الثواني ثقيلة كقدم فيل دون أن ينطق، فلا يقطعها إلا صوت بكاء طفل صغير يأتيه عبر الهاتف. تستأذنه لتنصرف لشؤونها، فيأذن ولا يأذن.

 صوت إغلاق الهاتف يعيده إلى عالم الأحياء فيرسل تنهيدة حارة في فضاء الغرفة، ويشعل سيجارة وهو يعيد صنع فنجان القهوة التي تركها تبرد منذ ساعتين.

الاثنين، 7 أبريل 2014

تلك العتمة الباهرة




لم يكن معتقل تزمامارت المغربي مجرد معتقل للذين شاركوا في انقلاب قصر الصخيرات البيض في صيف 1971، بل كان مقبرة للأحياء الذين شاركوا في المحاولة الفاشلة، سواء بإرادتهم الحرة أو أولئك الضباط وضباط الصف الذين أوقعهم حظهم العاثر في طريق الانقلاب وهو يعتقدون أنهم يشاركون في مناورة عسكرية بالذخيرة الحية أو الذين اوهمتهم قيادتهم أنهم ما جاءوا إلا ليدافعوا عن الملك ضد مؤامرة اغتياله. 

تلك الحفرة المسماة غلطا بالمعتقل ليست مقبرة بالمعنى المجازي للكلمة وإنما بالمعنى الحرفي لها. حفرة في باطن الأرض لا يرتفع سقفها لأكثر من متر ونصف ولا تسمح لساكنها بالوقوف منتصبا، تم تجهيزها خصيصا لكي لا يدخلها الضوء في أي وقت من ليل أو نهار، عتمة حالكة السواد إذا أخرج ساكنها يده لم يكد يراها، مجموعة من القبور مغلقة بانعزال على كل ساكن وحيد في إحداها، قارصة البرودة إلى درجة تجعلك لا تفكر مجرد النوم في ليالي الشتاء شديدة البرودة وإلا تجمد الدم في عروقك وأوردتك فمت من فورك. ليس فيها إلا فتحة تهوية في السقف صنعت خصيصا ليدخلها الهواء الكافي لعدم الاختناق، ولا يدخل منها النور أبدا. 

 هي إذن مقبرة للموت البطيء صنعها الملك السفاح الحسن، ملك المغرب الذي حكمها بالحق الإلهي على عينه. ليس لك من الطعام ليلا أو نهارا إلا كتلة خبز متكلسة لو أحسنت تصويبها لقتلت شخصا بها من شدة صلابتها، وبعض النشويات المعجونة المقززة الرائحة. ليس لك رعاية صحية أو عقاقير تتناولها إن وهنت قواك ومرضت، فلتمرض إذن ولتموت فهو مصير أفضل من بقاءك حيا ميتا لمدة ثمانية عشر عاما قضاها بعض الناجين من المقبرة لحظهم التعس. ثماني عشرة سنة من الجحيم المتصل بلا انقطاع، لا ترى الضوء إلا عندما يموت أحد زملائك في المقبرة فتخرج للصلاة عليه ودفنه..غير أن هذا الأمر ما لبث ان توقف بعد تكرار حالات الموت، فاكتفى الحراس بأوامر فوقية بأخذ الجثث وألقائها مطمورة بالجير الأبيض دون غسل أو صلاة. البعض مات من الجنون، والبعض مات بالغرغرينة حتى أكلت الصراصير والعتة جسده، والبعض مات بلدغات العقارب التي وضعت للمتعقلين في مرة لأنهم تجرأوا وأضربوا عن الطعام. ومن نجى منهم بعد ثمانية عشر عاما -وهم أقل القليل- صارت حياته جحيما من الأمراض والعلل.

 إنها رواية مأخوذة من شهادة أحدهم، تحكي تفاصيل واقع أليم تحياه يوميا شعوب حكمها الطغاة باتصال لم ينقطع، فمارسوا ساديتهم وجنون عظمتهم، وأحكموا خناقهم على الشعوب فأنت وتوجعت، ثم عندما تجرأت ورفضت وعلا صوتها؛ اتهمها أتباع الطغاة السفاحين بأنها عميلة للغرب تنفذ أجندته وتسعى لهدم استقرار الأوطان. هذه دعوة لقراءة رواية الطاهر بن جلون والاستمتاع بتفاصيلها المؤلمة الموجعة حد القهر.

الخميس، 3 أبريل 2014

ارميني



ارميني في بحرك

اغرق انا حدّه
وابقي عشان الملامة وكلام كتير وحديت
قولي غرق وحده
ارميني ما تخافي
عمري اللي شاخ في انتظارك
مات
حلمي وضيعتيه
سنين وانا حافي
ماشي بدون سكة 
اوصل ولا باوصل
وارجع أعيد اللي فات
ارميني وانسيني
يمكن تكون الأخيرة
صورتك في تكويني
أتراح وتكشيرة
يا مصدقة نفسك:
خايفة عليك م التيه
كان ذنبه ايه التعيس أمله 
وغربتيه
ارميني في قبري
واوعك تشيلي كفن
ملعون أبوه قلبي
من يوم ما عدى البحور
غرقان ف حب الوطن.

الأربعاء، 2 أبريل 2014

فهل ممكن؟



مانيش آخر حبيب عدى وزار طيفك
ولا أول حبيب طبعا
أكيد محتاج أكون مرة
ولو مرة
ومين يعلم؟
غريب والسكة مقطوعة
وكل الهم في عمري
غريب
ويّا الألم والحسرة من سكة فشل رابحة 
غريب ف خريطة مش واضحة
بترسمها حدود وبلاد
طلاسمها حياة كاملة
وشفرتها في بطن الحوت
ويوم ما جيت انا بشوقي
على بابك
لقيت الصد فوق كتفي
جبال
وانا مش قدها بضعفي
ورحلة عمري دحديرة
يمين ف شمال.
فهل ممكن؟
تفكي طلسمي بإيدك؟
وبطن الحوت ده يلفظني بتوحيدك؟
وأصبح يوسف التاني 
عناقيده تكون قمحك 
قميصه بس يتقطع فدا ملامحك
وأحلامه وتفسيرها
خريطة بالأمل تنضح لحد لقاه مع أمره
يكون طيفك شعاع مغزول ف توب عمره

وهل ممكن
أكون أيوبك الصابر
سنينه الضر عداها
ومستحملها واهو صابر
وبيحبك بكل ما فيه وبيقولها ولا يكابر
فتبتسمي
تدوب أوجاعه بالنظرة اللي ف عينيكي
يشمك ريحة الجنة
فيتمنى
تسافر روحه في بحرك فيشفى فيه
وقبل اللجة والغرقة ايدين تحميه
فهل ممكن؟.............
.........