الأربعاء، 26 فبراير 2014

حرامية مصر





محمد على الضابط الألبانى في الجيش العثماني كان مدعو على حفلة ووليمة فى القنصلية الفرنسية في مصر,  وأثناء الحفلة اكتشف الخدم اختفاء الشوك والسكاكين الفضة, وأبلغوا القنصل العام ماتيو ديليسبس قنصل فرنسا فى مصر (أبو فرديناند ديليسبس اللي أخد امتياز حفر قناة السويس من سعيد ابن محمد علي) المهم اقترح البعض إنه يحصل تفتيش للحضور, وكان الوحيد اللي اعترض هو محمد علي وثارته ثائرته, محمد علي طبعا كان لابس سروال واسع من اللي كان مشهور بيهم أفراد الجيش العثماني وقتها. لكن ماتيو ديليسبس رفض تفتيش الحضور بحجة إن كل ضيوفه ناس محترمين وفوق مستوى الشبهات.

المهم دار الزمن دورة كبيرة وتوفى شاه إيران رضا ميرزا الشهير برضا بهلوي بعد خلعه من قبل الإنجليز والروس وتولية ابنه محمد مكانه بسبب تعاونه مع الألمان أثناء الحرب العالمية ونفوه لجنوب أفريقيا, وطبعا رفض الأنجليز والروس دفنه في إيران فتم اقتراح دفنه مؤقتا في مصر في مسجد الرفاعي بالقاهرة, ووضعت زوجته في التابوت سيف دهب مرصع بالجواهر كان الشاه بيعتز بيه لأنه انتقاه من مقتنيات آخر شاه من أسرة القاجار اللي خلعه ونصب نفسه مكانه شاه على إيران. السيف حلي في عنين فاروق فاستولى عليه, بعدها لما الحرب خلصت والجثمان رجع إيران عشان يتدفن فيها اكتشفت أم محمد رضا بهلوي وزوجة الشاه السابق اختفاء السيف, وكانت بتعاير هي والأميرة أشرف أخت محمد رضا بهلوي الأميرة فوزية أخت فاروق وزوجة الشاه بأنهم: صحيح ملهمش جذور عريقة زي أسرة محمد علي, بس هما مش حرامية زيهم, وده كان سبب رئيسي في طلاق فوزية من الشاه.

دار الزمن مرة تانية ووصلنا لأكبر حرامي في تاريخ مصر هو وأسرته وحاشيته اللي نهبوا مصر وأفرغوا خزانتها وباعوا ثرواتها ومصانعها ومواردها ببلاش وللعدو قبل الصديق لحد ما بقت بتشحت وتمد إيدها لطوب الأرض. السرقة وخفة اليد لأسرة محمد علي مكنتش بتوصل للمدى الصعب اللي عملته أسرة مبارك وأعوانها  -اللهم باستثناء إسماعيل بسفهه وبذخه وإهداره لموارد مصر- بس المهم في النهاية إن مصر دايما حظها وحش وواقعه في حرامية ناهبينها وجايبنها ورا.

خارج الإديلوجية- مراجعة شخصية للتوجه.

#تحولاتي_الفكرية_الأخيرة 

بقيت لا أصنف نفسي بمنطق ايدلوجي دلوقتي..وده بفضل تجربتي الشخصية داخل الأحزاب المسماه إسلامية بعد الثورة. تجربة بمجملها اثبتت انها مقدمتش جديد .. يعني قعدنا نردد كلام المسيري عن الحوسلة والنموذج المادي اللي بيستغل الانسان وحوله لمادة استعمالية واننا لازم نخلق نموذج مغاير. وفي النهاية التجربة العملية تم استيعابها داخل اطار النموذج اللي كنا بننتقده وشايفينه غلط! 

وبقه التمترس خلف اسم تيار اسلامي (حتى لو كان التيار نفسه بممارساته مخالف للمنظومة المعرفية اللي بندعو ليها وبالتالي لا يصح تصنيفه ضمن النموذج اللي بنسعى ليه) الممارسة اثبتت أننا داخل النموذج المادي مش متجاوزين له وسقط الجميع في فخ الوقوف تحت الشعار اكتر من السعي لتحقيقه، فتحولنا لاستخدام الاسلام اكتر ما الهدف كان توخى مقاصده. وحتى الوسط اللي كنت عضو مؤسس فيه ومرشحه في انتخابات مجلس الشعب وقضيت فيه فترة مهمة في حياتي..الوسط اللي اقترح تصور وآلية , ثبت إنها مصمدتش قدام التجربة العملية, وسرعان ما تخلى عنها أمام ضغط الظروف وتلبسته حالة الصراع وأدواته.  فأصبح لزاما عندي ابعد الاسلام عن الخصومة عشان مكرهش الناس في دين الله واخلي الغاية ادنى مرتبة والخلاف فيها مش فاصل ولا نهائي.

 بقة القضية بالنسبة لي شخصيا برة الايدلوجية وصراعها..متجاوزة بمعنى ما، يمكن مش تجاوز كلي بس في حدود مسموح فيها الخلاف والاتفاق بدون صراع. القضية عندي دلوقتي برنامج يحقق للناس حدود معينة من العدل الاجتماعي والكرامة والحرية ف اختياراتهم وافعالهم وتفضيلاتهم على ارضية متفق عليها انها متصطدمش بعقائد الناس او مقدساتهم او اعرافهم..وبالتالي يدخل ف الحيز ده اي حزب او جماعة داخل المجال العام اللي بنعيش فيه طالما لم يعلن صراحة إنه ضد الدين ومستوعب دوره كحاضنة وموروث وهوية لمجتمعاتنا لو غابت منبقاش إحنا إحنا, نبقى أي حد تاني.

الأحد، 23 فبراير 2014

في الغربة




الغربة مش حرية
الغربة جايز براح
مسعكش في وطنك
مكتوب عليك الرحيل
ف الدنيا اللي وسعت للغريب. 
مفروض عليك الغياب
والغير بيمضي حضور
مفروض عليك لتلف بعنيك الحزينة
ف وش خلق الله.
وتدق بأديك التعيسة 
ف وسط أهات الوجع..
ميت ألف سكة وألف باب
والخلق ليك شاهدين
بس الأكادة إنها واسعة
مادة الإيدين واسعة
فاتحة درعتها..
بتنحني.
لايقة عليها المسألة؟؟
واللا عشان الظرف طارىء
بتطاطي للموجة؟
والمعضلة..
ان انت اكتر حد
شال الشيلة مقالش اه.
وأن انت اكتر حد
قالها مكنش ساكت.
"ملعون أبوك يا وطن...
لو تنحني راسك"




الخميس، 20 فبراير 2014

الاقتصاد - ذلك الطريق الذي يحكي فشل السياسة في مصر.





حكى لي صديق مقرب عن واقعة فساد كان طرفا فيها لمسؤول حكومي في مدينة صناعية. صديقي يعمل في مجال أنظمة السلامة وإطفاء الحرائق (Fire fighting) في إحدى الشركات الكبرى العاملة في مجال التكييفات في مصر.  المسؤول الذي هو موظف كبير في الدفاع المدني والذي هو رتبة عسكرية متقاعدة..وظيفته التفتيش على أنظمة إطفاء الحرائق في الشركات والمصانع التي تقع في محيط المنطقة المخول له رقابتها. المسؤول يصب جل اهتمامه على إيجاد ثغرات داخل نظم السلامة وإطفاء الحرائق ليس بهدف أن تصحح الشركات من أوضاعها وتحسن من أنظمتها, ولكن من أجل أن يسجل نقطة على الشركات كي تستجيب لضغوطه وتدفع له رشوة. هو لا يهتم كثيرا بالمتطلبات والمواصفات التي من المفترض أن توفرها الشركات لأنظمتها, حتى لو كانت الشركات ملتزمة بالحدود المعقولة للمواصفات. وما حدث مع صديقي أن شركته حرصت على المواصفات المطلوبة وصرفت مبلغا ماليا كبيرا لتحقيقها؛ فالمسألة بالنسبة للشركة مهمة وأساسية لسمعتها ومبيعاتها في السوق المحلي والدولي. إلى جانب أهميتها لتحقيق معدل أمان للعاملين بالشركة. لكن الموظف لم تشغله كل هذه التفاهات -من وجهة نظره طبعا- في البداية بالغ في المواصفات المطلوبة فصرفت الشركة مبلغا إضافيا وحققتها. لكنه استمر في تعنته, وفي النهاية هدد الشركة صراحة إن لم تصرف أمورها -بالمعنى الدارج- فسوف ينالها منه ما ينالها!

  وما حكاه لي صديقي يتماهى مع تجربتي الشخصية في العمل بمجال البتروكيماويات في مصر في مصنعين لإنتاج البي في سي والبي إي تي (
   ( PVC & PET  ببورسعيد والسخنة. المصانع التي عملت فيها ملكية لشركات هندية أتت إلى مصر للاستثمار في مجال البتروكيماويات وهي تعلم علم اليقين أن مناخ الاستثمار في مصر سييء. وأنها كي تدخل إلى السوق المصري تحتاج لدفع رشا ومبالغ مالية كبيرة لمسؤولين في الدولة, أو على الأقل عليها أن تبحث عن رجال أعمال متنفذين ليشاركوها بحصة مقابل إسباغ الحماية عليها, وتسهيل الحصول على الخدمات والتصاريح المطلوبة.

فما الذي تجنيه تلك الشركات من هذا المناخ السيىء؟ وما الذي يدفعها للمجيىء للسوق المصري والاستثمار فيه؟

في الواقع هذه الشركات والمؤسسات تدرك جيدا ما هي مقدمة عليه, وتعرف أن مناخ الاستثمار غير مستقر, وأن المنظومة القانونية التي تحكم علاقتها بالدولة مهترئة, وأنها -أي المنظومة القانونية- بأي معيار عالمي لا تحقق استقرارا لاستثماراتها. لكنها مع ذلك تخاطر وتأتي إلى مصر..لماذا؟ لأن لديها فرصة كبيرة لتحقيق أرباح أكثر من ذهابها لسوق مستقر ومفتوح ومضمون. حيث تعرف تلك الشركات أن الدولة ستغض الطرف تماما عن ممارساتها المجحفة في حق العمال, وأنها ستطلق يديها كاملة في تحديد أجورهم ومستحقاتهم. بل ويصل الأمر إلى إطلاق يديها في التخلص من العناصر المشاغبة ومساعدتها أيضا من خلال جهاز أمن الدولة -العتيد في هذا المجال- الذي يتكفل باعتقال أي عنصر نشط قد يثير المتاعب ويحرض زملائه على المطالبة بحقوقهم وربما الإضراب عن العمل أو الاعتصام. تدفع تلك الشركات مبالغ مالية كمرتبات أقل ما يقال عنها أنها زهيدة, تصل إلى أقل من ألفي دولار سنويا للمهندس أو الكيميائي وأقل من 1000 دولار سنويا للعامل المدرب. وحدث أن قالها مسؤول هندي في مصنع بورسعيد الذي عملت فيه عندما أضربنا عن العمل في أعقاب الثورة مباشرة للمطالبة برفع أجورنا..المسؤول قال لي صراحة: ما الذي يجعلنا نرفع مرتباتكم؟ لقد جئنا للسوق المصري لأن أسعاركم رخيصة, ولو كان لدينا استعداد لدفع أجور كبيرة لذهبنا إلى أسواق أفضل للاستثمار في آسيا أو الأمريكتين.

 في الواقع هذه هي العقلية التي تأتي إلى مصر للاستثمار: عقلية هنود أو صينيين يستثمرون في صناعات رديئة
Dirty industries  ويدفعون مرتبات هزيلة, هذا طبعا إلى جانب الحصول على مصادر كهرباء وماء وطاقة بأسعار زهيدة مدعومة من الدولة. وهم يعلمون أنهم في المقابل مطالبون بدفع رشا وعمولات لكبار المسؤولين, وصغارهم أيضا من الذين يعملون في مكاتب العمل ليغضوا الطرف عن شكاوى العمال من تعنت الشركات واغتصابها لحقوقهم. وعندما انتفض العمال للمطالبة بحقوقهم بعد الثورة وفي غيبة جهاز أمن الدولة وتحت تأثير جرعة الشجاعة المستمدة من الثورة -وهو أمر حدث في جل الشركات الاستثمارية في مصر بالمناسبة- سارعت معظم هذه الشركات ولوحت بأنها ستصفي أعمالها واستثماراتها وترحل من مصر. وبعضها قام بذلك فعلا, ومعه بعض الحق..فما الذي يجبره على البقاء ودفع مرتبات كبيرة في هذا المناخ الرديء؟ ولماذا يخاطر بأمواله في مقابل تدني فرص الربح مع إمكانية ضياع الأموال وذهابها أدراج الرياح؟


كل ما سبق ينقلنا مباشرة إلى الواقع السياسي المصري المتردي. وفي الحقيقة هذه هي معضلة كل صانع قرار في السياسة المصرية سابقا ولاحقا. فإما أن يحافظ على الهياكل القديمة للمؤسسات الحكومية, ويحافظ على شبكات المصالح الفاسدة التي تفتح فمها دائما مطالبة بحصتها, ويوفر مناخ استثمار خطر ولكنه مربح بالضغط على العمال والتغاضى عن حقوقهم وتحميلهم فارق الأموال التي تذهب لكبار المسؤولين والمتنفذين وشبكات المصالح المحيطة بهم. وهو أمر فعله مبارك طويلا في حدود ثم جاء ابنه جمال ومجموعته فمدوا الخط على استقامته واستطاعوا جلب استثمارات بمعدلات جيدة حققت معدلا معقولا للنمو كان جمال يتباهى به, لكنه في المقابل أسخط العمال وأسرهم وأوصلهم للنقطة الحرجة التي انفجروا فيها مع أول شرارة انفجار في ثورة 25 يناير, حيث كان النمو يذهب لجيوب بعينها ولأشخاص بعينهم ولا يحقق معدلا معقولا للتنمية في المقابل
Growth without development. أو أن يلجأ -صانع القرار السياسي- لتفكيك تلك الشبكات الفاسدة ويعيد هيكلة المؤسسات القديمة, مع الدفع باتجاه خلق منظومة قانونية سليمة لا استثناءات أو تجاوزات فيها لخلق مناخ جيد للاستثمار يشجع ويجذب رؤوس الأموال .


لا يبدو واضحا أن تغييرا ما طرأ على الاستراتيجية المباركية لإدارة هذه الملفات. وكل ما نراه أو يتم تسريبه عن اتجاهات صانع القرار السياسي في مثل هكذا أمور يوحي أن الاستراتيجية ستستمر, فالخطأ كان في التطبيق وليست الدودة في أصل الشجرة كما يقول المثل. وأن الرؤية منصبة على تحقيق استقرار -ولو وهمي- بالعصا الغليظة والقبضة الأمنية المحكمة لتشجيع الاستثمارات على العودة. وأن فكرة تفكيك الهياكل الفاسدة المهترئة أو عمل منظومة قانونية سليمة لا تخطر على البال من قريب أو بعيد, بل إن السيطرة والسطوة المطلقة على مؤسسة القضاء -كركن في المنظومة القانونية- وصلت لمرحلة لم تحدث ولا حتى في عهد مبارك. وربما كان الاتجاه أيضا يصب في روافد أشد خطرا مثل رفع الدعم نهائيا وهو ما يعني أن اللعب بالنار مستمر وأن ما ستفعله النخبة الحاكمة أنها ستدفع الشعب للحظة أشد حرجا من سابقتها قد تؤول في النهاية لخروج كاسح رهيب يفوق ما حدث في ثورة يناير وربما يتخطى حتى أسوأ الكوابيس التي يتوقعها البعض من أنصار نظرية ثورة الجياع.     

الأربعاء، 19 فبراير 2014

العُصبة



العُصبةُ جاءت في إثْركْ..
لن تنجو اليوم وإن حاولتْ

العُصبة كلبٌ مسعورٌ
قد يأكل حتى صاحبه. 
ستجيك وحتى في حُلمكْ..
ستقول وقد فغرت فاهًا مملؤا بالدم القاني: الآن عَرَفْتْ؟؟
                               **************

هي ضربة القدر فقط التي قد تجعلك تنجو من هذا الجحيم المسمى وطن. 

دعني أعيدها على مسامعك ثانية تلك الجملة التي قالها زياد ابن أبيه لأهل العراق محذرا : انج سعد فقد هلك سعيد.

الثلاثاء، 18 فبراير 2014

دنياهن- إبيجرامات



في المسافة ما بين قلبها وعقلها كان يسكن, لكنه أبدا لم يستطع احتلال أيا منهما؛ لذا كان عليه أن يتقهقر للمرتبة الثانية عندما جاء من احتل قلبها فقط.

********************************************

تَذْكُر دائما وهي تضحك ضحكتها المشبعة بحزن عينيها أنها انتظرت باص الحب في كل محطاته، لكنه لم يأت. ذلك أن باص الزواج الذي وقف طويلا في محطتها وأطلق صافراته واحدة تلو الأخرى لم يلبث أن أطلق صافرة منغومة طويلة ثم رحل. ومازالت تنتظر وهي تضحك رغم الزمن الذي حفر لنفسه شقًا فوق جبهتها ونام.

                                               *********************************


تلك الفتاة الجميلة التي حلمت بدنيا أكبر قليلا من اجتماع كفيها الصغيرين. صدمتها خطوتها الأولى في دنيا الأغيار؛ حيث اكتساب الرزق حيلة، والكذب طقس يومي، والحقد والغل إرادة. لم تفكر طويلا قبل أن تختار دنيا أصغر من أحلامها. هناك حيث وهبت نفسها للرب وخلعت على عتبات بيته رداء حياتها الذي طاله بعض من أدران دنياهم.

الأحد، 16 فبراير 2014

ماذا إذا كان الشعب لا يريد؟



من اللائق أن يقال: التغيير إرادة طليعة -كنت أود أن أقول نخبة, لكن المصطلح جرى ابتذاله فحمل مضامين سيئة في الذهنية المصرية- لكن هذه الإرادة لا تتجسد في الواقع العملي إلا إذا انحازت الأغلبية الكاسحة من الشعب لها.

 فالطليعة الواعية بضرورة التغيير واعية أيضا أن رسالة التغيير التي تحملها ليست في الفراغ, ولا قيمة لها دون إدراك الشعب واستيعابه ومشاركته فيها. فهي رسالة في جوهرها للشعب كل الشعب. كما وأنها لا تترجم إلا بوسائل, قد يكون إحداها الإصلاح  -إن كان مرجو الأثر-  أو هي الثورة إذن بغرض الهدم وإعادة البناء على أسس سليمة.

الثورة هنا ليست مقصدا في ذاته, وإنما وسيلة هدفها النهائي الشعب. لذا يجب ألا تسقط الطليعة في عدمية اعتبار الثورة هدفا يُسعى له. ولا في عدمية هتافات كمثل "سنحرركم غصبا عنكم"!
ففضلا عن سذاجة تصور إمكانية تحقق التحرر دون مشاركة واسعة للجماهير -وهي مشاركة برضاها وقبولها بداهة- فإن فكرة التحرر ذاتها مناقضة لفكرة الغصب..تنتفي إحداهما بوجود الأخرى.

الثوار في كل أمة إذن هم طليعتها, وبالضرورة قلة, وبالضرورة القلة الأكثر وعيا. ذلك أن الشعوب تميل للاستقرار بطبيعتها, وتخشى الثورات, فهي مرادفة لانعدام الأمن وغياب الأمان الذي يطول أمده في وعيها الجمعي.
 والطليعة الثورية تدرك ذلك -أو يجب أن تدركه- وتدرك معه أعداء الثورة الحقيقيين الذين يدفعون لاستمرار مثل هذا التصور في الوعي, وهي لذلك لا يجوز لها التصالح مع هؤلاء الأعداء, حتى وإن أبدوا استعدادهم لقبول الثورة  وأذعنوا لمنطق التغيير؛ فطبيعة انحيازات الطليعة الثورية, وحتمية استحواذها على عقل وقلب الجماهير تقتضى ألا تهاون مع أعداء الثورة, وإلا أقنعوا هم -بانحيازاتهم المغايرة- الجماهير فأكلت الطليعة الثورية وهضمتها, من حيث لا تدري أنها تأكل نفسها ومصالحها معها.

الثورة هنالك كالبذرة -إن جاز التعبير- لا تنبت إلا في أرض صالحة لها أولا, لكن البذرة كي تنمو محتاجة للماء لريها, و
للسماد لإخصابها, والأهم أنها تحتاج إلى التخلص من الحشائش الضارة التي تتغذى عليها؛ بهدف إهلاكها.
ومن نافلة القول هنا أن تعبيرات مثل "ثورات الربيع العربي صنيعة أمريكية" متهافتة أيما تهافت, لأن الثورة التي هي بذرة لا تنبت في غير تربة مهيأة لاستقبالها.

من الأهمية بمكان أيضا ألا تقع الطليعة الثورية في خطأ الخلط بين ضرورة التغيير وحتمية حدوثه؛ فقد يكون التغيير ضرورة ملحة, لكن حتميته مؤجلة في الضمير الجمعي, ربما بسبب ارتفاع كلفته أو ضبابية نتائجه. وعلى الطليعة الثورية أن تقنع الشعب أولا أن ضرورة التغيير حتمية آنية لا تحتمل التأجيل, وأن كلفة الانتظار أفدح وأن النتائج ظاهرة جلية.

وفي الحقيقة ذلك هو جوهر الصراع الدائم بين الثورة وطليعتها من جهة, وبين الثورة المضادة وأعوانها من جهة أخرى على عقل الجماهير وقلبها؛ الثورة تحاول تبيان خطأ الانتظار, والثورة المضادة تدفع باتجاه رفع كلفة التغيير ليصبح في الوعي بندا مضافا -لا خصما- من رصيد المعاناة التي يتجرعها الشعب إن بقيت الأوضاع كما هي, وتكون أرصدة انعدام الأمن وغياب الاستقرار هي المعين الذي لا ينضب في يد الثورة المضادة, سيما إذا غابت بشائر التغيير وانعدمت مصالحه المباشرة وتحولت أرصدته إلى صورة ضبابية لا تثبت في عقل الجماهير.


هنا يجب على الطليعة الثورية أن تقف وقفتها التعبوية, فتراجع تصوراتها وقدراتها, وتغير من طرائقها في التعاطي مع الجماهير. يجب ألا تقع الطليعة أبدا في خطأ أن تحل في الثورة أو أن تحل الثورة فيها فتتحول إلى أوليجاركية ثورية -إن جاز التعبير- فالثورة ملك لكل من شارك فيها أولا, فضلا عن أنها من أجل الشعب, وهو غايتها.

على الطليعة وقتئذ أن تبحث عن أدوات جديدة, حين تزداد خسائرها في معارك الحركة, وحين تصبح معركة الإرداة مشكوك فيها, وليس لها إذا أرادت الاستمرار إلا أن تغير من وسائلها, فتتأخر الثورة كفعل على الأرض وفي الميادين وتحل محلها معارك الأفكار في عقل الجماهير, ومعارك الضمير في وجدانه.
هو تغيير في الأولويات حتما, إن لم يحدث فالتيه في انتظار الطليعة الثورية, وهي نفسها من ستحفر قبرها بيديها؛ تاركة للشعب مهمة أن يهيل التراب عليها دون حتى أن يكلف نفسه عناء الترحم وقراءة الفاتحة.



الأربعاء، 5 فبراير 2014

في الفصل بين 30 يونيو و3 يوليو



يحلو لجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها الدمج التام بين لحظتي 30 يونيو و3 يوليو. ربما ذرا للرماد في الأعين عن حقيقة أن الفشل في إدارة الدولة والثورة معا - بصرف النظر عن مسبباته ودوافعه - كان السبب الرئيس الذي أخرج العدد الأكبر من المصريين منذ لحظة 25 يناير وحتى الساعة إلى الشوارع ضد الجماعة. وربما في محاولة للصق تهمة التآمر والانقلاب بكل من شارك في 30 يونيو حتى يتسنى للجماعة الهروب من استحقاق محاسبتها على أرضية الثورة بذريعة القول: نحن أخطأنا في حق الثورة وأنتم مثلنا أخطأتم في حقها, فلننس ما فات إذن ولنفتح صفحة جديدة عنوانها التوافق.

ولا تخلو جملة ينطقها مريد من مريدي الجماعة من كلمة انقلاب 30 يونيو. ما يستدعي تفكيك اللحظتين والنظر إليهما عن قرب أكثر لمعرفة 
هل خرج المصريون في 30 يونيو على أرضية واحدة؟ وهل كان هناك ارتباط شرطي بين لحظة 30 يونيو ولحظة 3 يوليو بحيث لا يمكن لإحداهما إلا أن تأتي بالأخرى؟ أم أن اللحظتين - رغم الاتصال الظاهري بينهما- حدثان منفصلان يجمعهما شيء وتفصلهما أشياء؟ 


يرى كاتب هذا المقال أن فكرة الخروج نفسها بنيت على أرضية متباينة كل التباين. حيث يعز عليه أن يعترف أن الملايين خرجت بمفهوم مختلف عن خروج النشطاء والحركات الثورية التي شاركت في الثورة (وهو أمر له مدلوله الهام في طبيعة الثورة وفكرتها وأهدافها وصيرورتها).

كان خروج الملايين للشوارع في 30 يونيو استجابة لدعوة حركة تمرد التي كانت قد بدأت في جمع توقيعات للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة في مارس 2012 على خلفية فشل الرئيس محمد مرسي وجماعته في إدارة البلاد, وكان الخروج والمشاركة في الحدث لحركات مثل 6 إبريل وبعض الحركات الثورية الأخرى والكثير من النشطاء للمطالبة بالانتخابات المبكرة على خلفية عدم الوفاء بالالتزامات ونقض الوعود التي قطعها مرشح الإعادة محمد مرسي على نفسه في اجتماع الفيرمونت الشهير قبل إعلان النتيجة الرسمية للانتخابات من قبل اللجنة العليا. ومما له دلالته أن البعض ممن شارك في هذا الاجتماع قد شارك أيضا في الدعوة ل30 يونيو وطالب الرئيس محمد مرسي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة  - وائل غنيم ودكتور عبدالجليل مصطفى مثالان -

   لم يكن كل من نزلوا إلى الشوارع إذن متفقين على أرضية واحدة للنزول, وإن اتفقوا على مطلب الانتخابات المبكرة. وفي اعتقادي أن اختلاف أرضية النزول يعني ضمنيا الاختلاف على طريقة إداراة الأزمة والرضا من عدمه على إقدام وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي على خلع الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو بانقلاب صريح. ويمكن التمييز هنا بين الكتلة الأكبر من الشعب والتي خرجت بالأساس رافضة بقاء الرئيس بأية وسيلة متاحة بعد الأزمات المتتالية في ظل حكمه؛ من انقطاع متصل للكهرباء إلى أزمة البنزين وغياب الأمن وغيرها من الأزمات, وبين الذين أرادوا رحيل مرسي عن كرسي الحكم بطريقة الانتخابات الرئاسية الديمقراطية المبكرة لعدم وفائه بالتزاماته وعدم احترامه للعقد الذي تم انتخابه بموجبه في خطوة الإعلان الدستوري المكمل الشهيرة.

وقد يحتج البعض بأن هذا التمايز بين الطرفين لم يكن واضحا جليا بعد انقلاب 3 يوليو, وأن جميع من شاركوا في 30 يونيو قد هللوا للحظة 3 يوليو. لكن هذا ليس صحيحا على إطلاقه..على الأقل بالنسبة لعدد وافر من النشطاء والمحسوبين على الثورة, بل أن خطوة نزول بعضهم ممن نزلوا في 30 يونيو إلى جانب من نزلوا للاعتصام في رابعة العدوية داحضة لهذا الزعم, واعتراف البعض الآخر -أحمد ماهر منسق 6 إبريل على حسابه الشخصي على تويتر مثالا- صراحة أن ما حدث انقلابا بعد مرور وقت ليس بطويل على الحدث أمر داحض أيضا. وإن كان يعاب على البعض منهم عدم الوضوح في رفض 3 يوليو وعدم التنديد بالممارسات الدموية التي مارسها عبدالفتاح السيسي ضد الرافضين للانقلاب صراحة, وفضل بعضهم الصمت تماما -وائل غنيم مثالا- وهو أمر يحسب بالتأكيد ضدهم.

جاءت إذن لحظة انقلاب 3 يوليو - وليس انقلاب 30 يونيو- ولم يكن هناك اتفاق واضح بين من نزلوا في 30 يونيو عليها, وإن كانت الأغلبية قد أيدتها بطبيعة الحال, فالأقلية رفضتها صمتا تارة ومقاطعة أخرى. وعودة سريعة لحجم التظاهرات في 30 يونيو ومقارنتها بمظاهرات تفويض ما زعم السيسي أنه محاربة للإرهاب تكفي للفصل بين الطرفين.

نأتي بعد ذلك لسؤال هام: هل كان يمكن تفادي انقلاب 3 يوليو؟ أم أنها كانت لحظة حتمية لا مفر منها؟


هنا أيضا يحلو لجماعة الإخوان وأنصارها تحميل من خرجوا في 30 يونيو المسؤولية الكاملة عن لحظة 3 يوليو, لأن الخروج - من وحهة نظر الجماعة- كان استدعاء صريحا للجيش للتخلص من الرئيس المنتخب. وهذه أيضا مغالطة مقصودة من الجماعة, فحتى الذين خرجوا وفي أذهانهم استدعاء الجيش, لم يكن لهم ولا للجيش مفر من القبول بخطوة الانتخابات المبكرة إن قرر الرئيس محمد مرسي إجرائها, لكن ما حدث كان استمرارا للهروب  من مسؤولية إنجاح التجربة الديمقراطية, ولو عبر آلية الانتخابات المبكرة - وهي آلية ديمقراطية بالمناسبة - مارسها حزب العدالة والتنمية التركي - الذي يحلو لجماعة الإخوان وأنصارها التشبه به - عندما احتدم الخلاف حول التعديلات الدستورية في 2008 التي أرادها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحزبه ورفضتها المؤسسة العسكرية في تركيا لما فيها من انتقاص من دورها التاريخي في إدارة الدولة.

فضلت الجماعة الانقلاب العسكري على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يسقط فيها الرئيس محمد مرسي حتما, وراهنت على خطاب مظلومية بذريعة الانقلاب, ذلك الخطاب الذي طالما أجادت الجماعة استخدامه طوال تاريخ بدأ مع يوليو 1952 ولم ينته مع يناير 2011.

كان الرضوخ لمطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة إذن حلا سليما للخروج من الأزمة, وحلا عمليا ينقذ معه التجربة الديمقراطية الوليدة, لكن الاستجابة للمطلب كانت تعني عمليا الاعتراف من جماعة الإخوان بالفشل, وهو حقيقة تأبى الجماعة الاعتراف بها في كل بياناتها التالية للحدث وحتى اليوم. بل وتصر على تحميل كل من خرجوا - وهم ملايين - المسؤولية وحدهم عن فشل التجربة. هذا لا يعني بتاتا أن المحسوبين على الثورة من الذين خرجوا في 30 يونيو لم يكونوا من السذاجة بمكان لدرجة غابت معها حسابات الاستفادة المباشرة للثورة المضادة والدولة العميقة من حدث الخروج باعتبارهم الطرف الجاهز للعب الدور الأقوى في معادلة ما بعد ذهاب الإخوان.

ضحت جماعة الإخوان بالثورة وأهدافها طول الوقت بعد الحادي عشر من فبراير 2011 في سبيل تحقيق أهدافها التي طالما حلمت بها بمشروعها الباحث عن التمكين.  مثلما أنها فضلت التضحية بالتجربة الديمقراطية الوليدة واختارت الوصول لانقلاب يتجرعه معها كل من خرج ضدها في 30 يونيو من أجل الحفاظ على التنظيم وعدم الاعتراف الصريح بالفشل.