الثلاثاء، 10 مايو 2011

لك الله يا مصر

لا أدعي علما ببواطن الأمور, ولا فهما أكثر مما يفهمه الآخرون, ولكني أرى بكل وضوح أن هناك تصرفات غريبة لا تتفق مع طبيعة الشعب المصري المسالم. فأن يموت أكثر من إثني عشر شخصا في أحداث إمبابة الطائفية بكل بساطة هو أمر جلل. تعودنا سابقا أن يموت المصريون في حوادث الطرق أو العبارات أو القطارات, فليس غريبا أن المصريين الذين ماتوا في حوادث الطرق في عهد مبارك أكبر من كل أعداد المصريين الذين ماتوا في حروب مصر مجتمعة في القرن العشرين.
ولكن أن نموت في حوادث طائفية, فهذا هو الجديد..هذا ما يجب أن نتوقف عنده طويلا, حتى ولو كانت هناك أيادي خفية وراء الأمر, من فلول النظام السابق المدعومين من إسرائيل. يظل السؤال كيف يخرج المصريون بسماحتهم إلى ساحة القتل الطائفي بكل هذه الأعصاب الباردة. لكأني أرى صورة مصغرة من الحرب الأهلية اللبنانية. هل المقصود هو لبننة مصر؟!هل المقصود هو جعل مصر عراقا جديدا؟!!!
إن العارفين بمصر يعلمون جيدا أن نقطة الضعف الأكبر في التكوين المصري هي المسألة الطائفية, التي غذاها نظام حسني مبارك ومن قبله السادات..والكل يذكر تقرير العطيفي بعد أحداث الخانكة في السبعينيات, ذلك التقرير الذي ظل حبيس الأدراج لسنوات. والكل يذكر احداث الكشح ونجع حمادي وغيرها, وكيف تعامل النظام معها بمنطق أمني بحت. لم يسع مبارك في يوم من الأيام للبحث عن حل للمشكلة الطائفية خارج إطار مباحث أمن الدولة, بل إنه لعب على هذا الوتر كثيرا ليحقق الفرقة التي تتيح له استخدام قانون الطوارىء فوق أجساد المصريين.
والكل يعلم أن عهد مبارك هو الأسوء في مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وهو ما انعكس على طريقة تفكير الكثير من المصريين الذين لجأوا للدين كملاذ يعطيهم هروبا من ضغوط الحياة اليومية, هو أفيون إذن وليس التزاما بتعاليم الدين. فالدين حينما يدخل حياة الناس حشرا وحشرجة يصبح موطىء ذلل. هذا ليس الدين بسماحته التي عرفها المصريون منذ العصر الفرعوني. لماذا لم يعد المصريون يتنفسون الدين تنفسا صحيا مع الهواء؟لماذا صار الدين عندنا كرها للآخر وطعنا فيه؟
هذه الآفة لم تكن ديدنا مصريا في يوم من الأيام, إنها آفات مستوردة علينا, جاءت مع أموال الخليج في نفس المراكب التي أسست لحقبة خليجية تتجاوز الحقبة الناصرية وتصل الخط بامتداده للمشروع الأمريكي وهيمنته على المنطقة.
هذا بعض من كثير يعتمل في صدري حول أحداث الفتنة الطائفية. أجد عفو الخاطر يسوقني إلى التفكير في جذور التشدد الديني والعلاقات المشبوهة لحقبة مبارك بإسرائيل وأمريكا. كلها أمور أجد رابطا قويا بينها, رابط يجعلني أتساءل, هل من الممكن أن تتجاوز مصر عواصف الفتن دون خسائر؟ أم أن ما يحدث لابد أن يترك جراحا غائرة في نسيج المجتمع المصري؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب